.
ودَّعني والداي، بعد يومٍ طويل مُتعب في المشفى، و بقيت ليلتها وحدي في قسم التنويم.. لم تنسَ أمي أن توصي الممرضة عليّ، و تلك بدورها ردّت مطمْئِنةً "رح حطها بعيوني"..
و ها أنا الآن وحدي، ماذا أفعل؟
أمسكت بسماعة الهاتف، اتصلت بصديقتي، أخبرتها بأنني شخصت بالسكري، و أن الأعراض التي كنت أعانيها لم تكن إلا بسببه.. كنتُ أستشعر الصدمة و القلق في كلامها، أخبرتها بأن لا شيء يدعو للقلق و أنا الآن بخير! غيرنا الموضوع و رحنا نتحدث في أمور متفرقة.. بعد أن أغلقت السماعة رحت أقلب قنوات التلفاز، فهذه الليلة تصادف آخر حلقة من برنامجي المفضل "أمير الشعراء".. لكن لم أعثر على القناة، بلغت أختي في المنزل أن تسجل لي الحلقة حتى أشاهدها فور خروجي من المشفى..
لم يبق لي شيء أفعله الآن أو أتسلى به سوى النوم! ألقيت بنفسي على الوسادة، باتت الأفكار تراودني، و إن حاولت التهرب منها... يا الله، راضية بقضائك، و لكنني أتساءل، كيف ستكون حياتي بعد الآن؟ هل سيؤثر هذا السكري على حياتي؟ ماذا عن دراستي؟ و حلم الطب؟
كيف ستكون نظرة الناس لي؟
لم أتمالك دموع عينيّ التي انهمرت.. بكيتُ وحدي، و لم أبكِ أمام والديَّ حتى لا أزيدهما همًّا.. غطّت عيناي في النوم، و مع حلول الفجر جاءت الممرضة لتعطيني إبرة الأنسولين أعلى ذراعي اليسرى، كانت تلك أول إبرة أنسولين آخذها -تحت الجلد-
اليوم الذي تلا خبر إصابتي كان حافلًا بالاتصالات، و الزيارات من الأهل و المعارف و الأصدقاء.. و كَذا كانت باقي أيامي التي قضيتها في المشفى، استشعرت وقتها هذه النعمة العظيمة التي وهبني الله إياها: نعمة الأهل و الأصدقاء!
قضيتُ أيامي في المشفى أتعلم عن السكري، و كيفية تنظيمه.. لم أشكل فكرة كاملة عن كيف ستكون حياتي و ما المتاعب التي سيسببها هذا الصديق الجديد، إلا أنني اتخذت على نفسي عهدًا بأنني سأكون "سكرية مثالية".. و يا لبساطة تفكيري، كنت أظن أنّ الأمر كما في المدرسة حينما تلتزم بالمذاكرة و تجتهد ستكون (الطالب المثالي) بلا شك...!
أذكر أنني كنت أتصفح كتاب الكيمياء لمذاكرة بعض الدروس إذ دخل عليّ استشاري السكري و قال لي لا بد أنك طالبة مجتهدة، قلتُ نعم، فسألني ماذا تريدين أن تكوني؟ قلت بعد تردّد "طبيبة".. ترددت لأنني كنت أتساءل هل ما زال بإمكاني أن أكون كذلك؟
و بعد مضيّ ستة أيام، تقرر خروجي من المشفى أخيرًا حينما انتظم سكري تقريبًا..!
كانت فرحتي عارمة، كسجينٍ أُطلِقَ سراحهُ، رحتُ أتنفس ذاك الهواء الطلق بعمق حالما خرجت من بوابة المشفى.. يااااه! هبّ النسيم البارد و كأنه يحيّيني، يستحمدُ لي بالسلامة.. و يخفف من همّي..
توقفنا في طريقنا للمنزل عند محل الحلويات لشراء (حلوى السلامة) للضيوف.. سألني والدي هل تريدين القدوم معي؟ قلت: بالتأكيد.. رحت أُراقب تلك الحلويات و قلتُ لنفسي لا بد أن أبتعد عنها نهائيًا حتى أحافظ على سكري، ما كنت وقتها سمعت عن الحلوى الخالية من السكر..!
فاجأني هبوط السكر عند أول صباحٍ أستقبله في منزلنا بعد تشخيصي، استيقظت من نومي مُتعبة يتصبب العرق مني أتنفس بشكل سريع و أشعر بنبضات قلبي المتسارعة.. أهذه علامات هبوط السكر التي علموني إياها في المشفى؟ قست سكري فورًا و أخذت نصف كأس من عصير البرتقال تمامًا كما علموني! كانت تلك أول مرة أشعر فيها بعلامات انخفاض السكر، حيث أن سكري لم ينزل مستواه عن ١٦٠ طيلة فترة جلوسي في المستشفى..
في هذا اليوم ذهبت أختي الكبرى لمدرستي حتى تشرح للمعلمات وضعي الجديد؛ حيث أنها رافقتني أغلب أيامي في المستشفى و تعرف الكثير عن حالتي..
بعد انتهاء اجازتي المرضية، كنتُ متخوفة جدًا من أسئلة الطالبات حولي.. كيف أجيبهنّ؟ اتخذت قراري بأني لن أخبر أحدًا سوى القليل ممن عرف بحالتي مسبقًا.. على الرغم من ذلك، كانت تأتيني تعليقات بأنّ اجتهادي في الدراسة هو الذي أوصلني لهذه المرحلة، و آخرون يقولون بأن هذا ما هو إلا "عينٌ حاسِدة".. صممتُ أذنيّ عن هذه التعليقات، و مضت آخر سنة لي في المرحلة الثانوية، تخرجت بامتياز، و حققت درجات عالية أهلتني لدخول كلية الطب -الحُلُم-.. و قبلَ قبولي كان البعض يسألني "أَأنتِ متأكدة من أنك ستدخلين كلية الطب؟ إن المشوار طويل و متعب و قد لا تستطيعين الصبر عليه مع السكري!".. و لأنني عنيدة أجبتهم بل أستطيع! تعليقات و أسئلة كهذه كانت تحثني على أن أثبت للجميع بأنني قادرة، و أن السكري لن يؤثر عليّ.. أبدًا!
تخرجت في كلية الطب، و ها أنا ذي أكمل تخصصي.. في رغبتي الأولى.. و بعون الله سأحقق ما أطمح إليه مع السكري أو بدونه..
قبل ثمان سنوات، كان الثالث و العشرون من فبراير، يومًا غيّر حياتي، هل أقول إلى الأبد؟ لا أدري.. و لكن ها أنا اليوم أعيش حياتي، أحقق طموحاتي، و لا شيء -بإذن الله- يمنعني عن أن أعيش أحلامي التي أريد!
أمسكت بسماعة الهاتف، اتصلت بصديقتي، أخبرتها بأنني شخصت بالسكري، و أن الأعراض التي كنت أعانيها لم تكن إلا بسببه.. كنتُ أستشعر الصدمة و القلق في كلامها، أخبرتها بأن لا شيء يدعو للقلق و أنا الآن بخير! غيرنا الموضوع و رحنا نتحدث في أمور متفرقة.. بعد أن أغلقت السماعة رحت أقلب قنوات التلفاز، فهذه الليلة تصادف آخر حلقة من برنامجي المفضل "أمير الشعراء".. لكن لم أعثر على القناة، بلغت أختي في المنزل أن تسجل لي الحلقة حتى أشاهدها فور خروجي من المشفى..
لم يبق لي شيء أفعله الآن أو أتسلى به سوى النوم! ألقيت بنفسي على الوسادة، باتت الأفكار تراودني، و إن حاولت التهرب منها... يا الله، راضية بقضائك، و لكنني أتساءل، كيف ستكون حياتي بعد الآن؟ هل سيؤثر هذا السكري على حياتي؟ ماذا عن دراستي؟ و حلم الطب؟
كيف ستكون نظرة الناس لي؟
لم أتمالك دموع عينيّ التي انهمرت.. بكيتُ وحدي، و لم أبكِ أمام والديَّ حتى لا أزيدهما همًّا.. غطّت عيناي في النوم، و مع حلول الفجر جاءت الممرضة لتعطيني إبرة الأنسولين أعلى ذراعي اليسرى، كانت تلك أول إبرة أنسولين آخذها -تحت الجلد-
اليوم الذي تلا خبر إصابتي كان حافلًا بالاتصالات، و الزيارات من الأهل و المعارف و الأصدقاء.. و كَذا كانت باقي أيامي التي قضيتها في المشفى، استشعرت وقتها هذه النعمة العظيمة التي وهبني الله إياها: نعمة الأهل و الأصدقاء!
قضيتُ أيامي في المشفى أتعلم عن السكري، و كيفية تنظيمه.. لم أشكل فكرة كاملة عن كيف ستكون حياتي و ما المتاعب التي سيسببها هذا الصديق الجديد، إلا أنني اتخذت على نفسي عهدًا بأنني سأكون "سكرية مثالية".. و يا لبساطة تفكيري، كنت أظن أنّ الأمر كما في المدرسة حينما تلتزم بالمذاكرة و تجتهد ستكون (الطالب المثالي) بلا شك...!
أذكر أنني كنت أتصفح كتاب الكيمياء لمذاكرة بعض الدروس إذ دخل عليّ استشاري السكري و قال لي لا بد أنك طالبة مجتهدة، قلتُ نعم، فسألني ماذا تريدين أن تكوني؟ قلت بعد تردّد "طبيبة".. ترددت لأنني كنت أتساءل هل ما زال بإمكاني أن أكون كذلك؟
و بعد مضيّ ستة أيام، تقرر خروجي من المشفى أخيرًا حينما انتظم سكري تقريبًا..!
كانت فرحتي عارمة، كسجينٍ أُطلِقَ سراحهُ، رحتُ أتنفس ذاك الهواء الطلق بعمق حالما خرجت من بوابة المشفى.. يااااه! هبّ النسيم البارد و كأنه يحيّيني، يستحمدُ لي بالسلامة.. و يخفف من همّي..
توقفنا في طريقنا للمنزل عند محل الحلويات لشراء (حلوى السلامة) للضيوف.. سألني والدي هل تريدين القدوم معي؟ قلت: بالتأكيد.. رحت أُراقب تلك الحلويات و قلتُ لنفسي لا بد أن أبتعد عنها نهائيًا حتى أحافظ على سكري، ما كنت وقتها سمعت عن الحلوى الخالية من السكر..!
فاجأني هبوط السكر عند أول صباحٍ أستقبله في منزلنا بعد تشخيصي، استيقظت من نومي مُتعبة يتصبب العرق مني أتنفس بشكل سريع و أشعر بنبضات قلبي المتسارعة.. أهذه علامات هبوط السكر التي علموني إياها في المشفى؟ قست سكري فورًا و أخذت نصف كأس من عصير البرتقال تمامًا كما علموني! كانت تلك أول مرة أشعر فيها بعلامات انخفاض السكر، حيث أن سكري لم ينزل مستواه عن ١٦٠ طيلة فترة جلوسي في المستشفى..
في هذا اليوم ذهبت أختي الكبرى لمدرستي حتى تشرح للمعلمات وضعي الجديد؛ حيث أنها رافقتني أغلب أيامي في المستشفى و تعرف الكثير عن حالتي..
بعد انتهاء اجازتي المرضية، كنتُ متخوفة جدًا من أسئلة الطالبات حولي.. كيف أجيبهنّ؟ اتخذت قراري بأني لن أخبر أحدًا سوى القليل ممن عرف بحالتي مسبقًا.. على الرغم من ذلك، كانت تأتيني تعليقات بأنّ اجتهادي في الدراسة هو الذي أوصلني لهذه المرحلة، و آخرون يقولون بأن هذا ما هو إلا "عينٌ حاسِدة".. صممتُ أذنيّ عن هذه التعليقات، و مضت آخر سنة لي في المرحلة الثانوية، تخرجت بامتياز، و حققت درجات عالية أهلتني لدخول كلية الطب -الحُلُم-.. و قبلَ قبولي كان البعض يسألني "أَأنتِ متأكدة من أنك ستدخلين كلية الطب؟ إن المشوار طويل و متعب و قد لا تستطيعين الصبر عليه مع السكري!".. و لأنني عنيدة أجبتهم بل أستطيع! تعليقات و أسئلة كهذه كانت تحثني على أن أثبت للجميع بأنني قادرة، و أن السكري لن يؤثر عليّ.. أبدًا!
تخرجت في كلية الطب، و ها أنا ذي أكمل تخصصي.. في رغبتي الأولى.. و بعون الله سأحقق ما أطمح إليه مع السكري أو بدونه..
قبل ثمان سنوات، كان الثالث و العشرون من فبراير، يومًا غيّر حياتي، هل أقول إلى الأبد؟ لا أدري.. و لكن ها أنا اليوم أعيش حياتي، أحقق طموحاتي، و لا شيء -بإذن الله- يمنعني عن أن أعيش أحلامي التي أريد!
إرسال تعليق