رباب عبدالله
.

أعود لأكتب شيئًا من تجاربي في برنامج الإقامة؛ على غرار سلسلة (سنواتي في كلية الطب)..

و على قدر الحماس الذي يملؤني الآن، ما زلتُ أتذكر نهاية سنتي الأولى في البرنامج، كنتُ مُحبَطة إلى أبعد حد.. لقد بدأتها بطموح و حماسٍ يصلان إلى عنان السماء! ثم ما لبثت شعلة  الحماس تنطفئ تدريجيًا.. على الرغم من أني قد أنهيت السنة بنجاح و بجدارة.. اتخذتُ قراري بتأجيل سنة، جاء هذا القرار بعد تفكيرٍ وَ حيرةٍ بين أمرين كان أحلامها -في ذلك الوقت- مُرُّ.. أما الأسباب التي دفعتني لذلك فيطول شرحها و ليس هنا مكانها، و على أية حال فأنا لستُ نادمة على هكذا قرار، فقد تبيّن لي فيما بعد أنه قد جاء لصالحي و أحمد الله الذي هداني إليه.. 


سنتي الأولى كانت مميزة من عدة نواحٍ؛ فهي أولى سنوات (الدراسات العليا) التي تختلف عن مرحلة البكالوريوس.. و لكل برنامج و تخصص في هذه المرحلة ما يميزه، إنما -بشكل عام- في هذه المرحلة يكون التركيز على المهارات التي تحتاجها في التخصص، و اكتساب هذه المهارات و تطويرها هي في المقام الأول مسؤولية المتدرب..  

و من الأشياء التي امتازت بها هذه السنة أيضًا أني كُنتُ بعيدة عن عائلتي و هو أمرٌ لم أعتد عليه أبدًا.. فما قولكم في فتاة لم تعتد على أن تطهو أو تكنس أو تغسل، ثم فجأة ترى نفسها في شقةٍ لوحدها تبعد عن أهلها عشرات عشرات الكيلومترات..! حسنًا، لقد كانت فرصة جيدة للتعلم..! و أعني ذلك حقًا هههه.. ما عدا الطبخ …فقد اضطررت للطبخ في مرات قليلة، و لا تسألوني عن المرات "الكثيرة" :) 


سنتي الثانية، على عكس سنتي الأولى قضيتُ أغلب وقتي بجوار عائلتي حيث امتازت هذه السنة بتجربة الدراسة عن بعد.. و هي تجربة مميزة إلى حد ما إذ كنا -جميع الأطباء المتدربين في نفس المستوى في المملكة- ندرس نفس المحاضرات مستفيدين من خبرات المختصين في شتى المجالات و من جميع المناطق.. 

و من المميز فيها أنّي بدأت بالانطلاق.. بدأت أتقبل الأمور كما هي.. و أركز على الأشياء التي بإمكاني تغييرها.. تعلمت من تجربتي في السنة الأولى ألا أرفع سقف توقعاتي، و لكن أن أحرص على تطوير نفسي.. 


تتضمن السنتان الأوليان في البرنامج تجربة العمل الإكلينيكي في مختلف التخصصات؛ كالأطفال و الباطنة و الأسرة و غيرها.. تجربة تُشابه إلى حدٍ ما تجربة الامتياز -مع اختلاف المسؤوليات و الأهداف-. خلال هذه الدورات الإكلينيكية صادفتني بعض المواقف و التعليقات و التساؤلات التي تبين أن الكثير من الأطباء لا يعرفون شيئًا عن التخصص فضلًا عن أولئك الذين لا يعلمون بوجوده.. و هنا أنا لا ألومهم كون التخصص من التخصصات الجديدة و لعلّ مسؤولية التعريف بالتخصص تقع على عاتقنا نحن.. و ربما كان من محاسن جائحة (كورونا) أن بينت أحد جوانب هذا التخصص و أهميته.. و من الأمور التي أسعدتني أثناء تدريبي في بعض التخصصات أن التقي بأطباء الامتياز و أجيب على تساؤلاتهم حول الطب الوقائي و أن "أروّج" لتخصصي :)


و لعلّي هنا أعود بذاكرتي للوراء قليلًا، حينما كنتُ في مرحلة الامتياز إذ كان السؤال الذي لا بد من أن يُسأل في كل مرة (ما التخصص الذي تريدينه؟) و حينما أجيب بِـ (طب المجتمع- الطب الوقائي) تأتيني الردود من قبيل (ما هذا التخصص؟) (لم نسمع به من قبل)  و لكن أسوأ ما في الأمر أن يأخذ البعض عني انطباعًا أني اخترت التخصص لأني لا أحب العمل (و لا أعرف كيف يتوصلون لهذه النتيجة الجهنمية.. و ذلك جعلني أتجنب الإجابة على هذا السؤال خاصة في بداية "الروتيشن").. و المستغرب أن من يعرف مستواي يسألني (لماذا إذن تريدين هذا التخصص؟) و كأن حُب الشخص للتخصص يُحدّده مستواه..! اختيار التخصص لا بد أن يأتي عن رغبة و "شغف" و بدون الرغبة لا أراني قادرة على اتمام المسير و بدون الشغف لا أراني قادرة على الإبداع… اخترتُ تخصصي لأني"وجدتُ نفسي" فيه دون سواه و لهذا أستطيع القول أني مستعدة لأن أقضي حياتي فيه دون ضجر خاصة إذا ما توفرت البيئة المشجعة و المناسبة..  



و أخيرًا، تلك كانت سنتان ازددتُ فيهما عِلمًا و خبرة، و تعرفت فيها على الكثير..

سعيدة بالعمل مع زملاء رائعين، فخورة بالتدرب على يد أساتذة و أطباء متميزين.. ممتنة لكل من علمني و ساعدني و أرشدني و شجعني.. جزاكم الله خير الجزاء.

سنتان أُخريان، و أطوي هذه المرحلة إن شاء الله.. و لا أقول أن الوقت مبكّرٌ للتفكير فيما بعدها، و لكن أسأل الله التوفيق و التيسير و الهداية.. 




هنا تقرؤون:


"سنة الامتياز".. مسك الختام

0 التعليقات

إرسال تعليق

Join me on Facebook Follow me on Twitter